تقرير أممي: الأسلحة النارية بيد المدنيين تهدد حقوق الإنسان وتزيد معدلات القتل عالمياً
خلال الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة بجنيف وتستمر حتى 11 يوليو المقبل
حذر تقرير أممي جديد من الأثر المدمر لانتشار الأسلحة النارية بين المدنيين على حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن عدد الأسلحة التي يملكها المدنيون حول العالم يفوق ما تمتلكه قوات إنفاذ القانون والجيوش مجتمعة، وأن هذه الأسلحة تتسبب في عدد من القتلى يفوق ما تسببه النزاعات المسلحة أو العمليات الإرهابية.
التقرير الصادر عن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، والذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، قُدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ59 التي تتواصل حتى 11 يوليو المقبل، ويقدم تحليلًا شاملًا لتأثير اقتناء المدنيين الأسلحة النارية واستخدامهم لها على الحقوق الثقافية والسياسية، لا سيما بالنسبة للفئات المهمشة والأكثر عرضة للعنف.
وبحسب التقرير، فإن المدنيين يمتلكون حاليًا أكثر من مليار قطعة سلاح ناري حول العالم، وهو ما يمثل نحو 85% من إجمالي الأسلحة المتوفرة، بينما تمتلك القوات العسكرية وإنفاذ القانون النسبة المتبقية. ويؤكد التقرير أن الأسلحة النارية تظل الوسيلة الأكثر شيوعًا لارتكاب جرائم القتل، حيث تمثل نحو نصف تلك الجرائم عالميًا.
وتُعد الأمريكتان -وعلى رأسها أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي- من أكثر المناطق تأثرًا بالعنف المرتبط بالأسلحة النارية، حيث تسجل أعلى نسب جرائم القتل بالسلاح، وغالبًا ما يكون ذلك مرتبطًا بالجريمة المنظمة والعصابات المسلحة.
ويُبرز التقرير كيف أن الانتشار الواسع للأسلحة النارية يؤدي إلى تقويض الحقوق الأساسية، مثل الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والإدارة العامة. ويقول المفوض السامي إن العنف المسلح يخلق مناخًا من الخوف يُثني المواطنين عن التعبير الثقافي والمشاركة السياسية، لا سيما في المجتمعات المحرومة.
وأشار إلى أن الارتفاع في جرائم القتل يحد من حرية التجمع والتعبير، ويعوق جهود بناء التماسك الاجتماعي، في وقت يحتاج فيه العالم إلى توسيع المشاركة والتعددية.
وشدد التقرير على أن الفئات الهشة -كالنساء، والأقليات العرقية، والمجتمعات المهمشة- تتحمل العبء الأكبر من آثار العنف بالأسلحة النارية، مشيرًا إلى أن التمييز والإقصاء يتفاقمان تحت وطأة الخوف والجريمة.
وتناول التقرير أيضًا، التحديات التي يفرضها الاتجار غير المشروع بالأسلحة النارية، لافتًا إلى أن سلاحًا واحدًا قد يُتداول لعدة عقود في السوق غير القانونية. ويجري الاتجار بها برًا وبحرًا وجوًا، ويُستخدم ما يُعرف بـ"تجارة النمل" لتهريب الأسلحة بكميات صغيرة يصعب رصدها.
وفي مثال لافت، أشار التقرير إلى أن هاييتي التي تعاني فوضى أمنية، تتلقى أسلحة نارية مهربة من الولايات المتحدة والبلدان المجاورة، لتصل إلى أيدي العصابات المسلحة. كما أفاد التقرير أن 70% من جرائم القتل في المكسيك خلال عام 2023، والتي بلغت أكثر من 31 ألف جريمة، نُفذت باستخدام أسلحة نارية.
كما تناول التقرير ظاهرة تحول الشركات الأمنية الخاصة إلى مصدر لتسرب السلاح، بسبب السرقة، أو الفساد، أو الإفلاس. وأشار إلى حالات تواطؤ في جنوب إفريقيا، حيث بيعت ذخائر بشكل غير مشروع عبر شركات مسجلة قانونيًا. وأضاف أن بعض الشركات العسكرية الخاصة تلجأ للاتجار بالأسلحة لتمويل أنشطتها، في خرق واضح للقانون الدولي.
ولفت التقرير إلى أن تقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد باتت تُستخدم في تصنيع أجزاء أسلحة نارية يصعب تتبعها. ففي منطقة الكاريبي، ضبطت أول بندقية مطبوعة بهذه التقنية عام 2023، ما فتح الباب أمام انتشار هذا النوع من الأسلحة منخفضة التكلفة وعالية الخطورة.
ودعا فولكر تورك الدول إلى اتخاذ تدابير ملموسة للحد من انتشار الأسلحة النارية بين المدنيين، من خلال تنظيم عمليات التصنيع والتوزيع والبيع، وتعزيز الرقابة الجمركية والعدالة الجنائية، والتعاون الدولي لتفكيك شبكات التهريب.
وشدد التقرير على أهمية معالجة الأسباب الجذرية للعنف، وعلى رأسها الفقر والتهميش، مشيرًا إلى أن من يعيشون في أوضاع الفقر هم الأكثر عرضة لأن يكونوا ضحايا أو مجندين في العصابات المسلحة.
واختتم تورك تقريره بالتحذير من أن الأسلحة النارية تهدد جميع حقوق الإنسان، موضحًا أن استمرار تجاهل هذه القضية سيقوض التقدم العالمي نحو مجتمعات آمنة، عادلة، ومتعددة.